إنه معجزة حقا

معجزة الوضوء

المقدمة:

الحمد
لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات
أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله
بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدِّين كلِّه، فبلَّغ الرسالةَ وأدَّى
الأمانةَ، ونصحَ الأمَّةَ، اللَّهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه،
ومَن سلك سبيلَه واهتدى بهديه إلى يوم الدِّين.

أما بعد:
فقد
منَّ الله على هذه الأمة المختارة بمنن لا تحد ونعم لا تحصى و لا تعد، فما
ترك من خير إلا و دلها عليه وما ترك من شر إلا و نهاها عنه ، مضمنا ذلك في
الوحيين العظيمين المحفوظين الكتاب و السنة، فله الحمد وله الشكر،

ومن الخير الذي دلنا الله و رسوله عليه هذه المعجزة العظيمة ألا و هي الوضوء فتأمل معي شرح الله صدرك وغفر ذنبك ووضع إصرك :

فالوضوء له مظهر وجوهر، فهو طهارة جسم في ظاهره ،
و أما في جوهره فهو اطمئنان نفسي وسكن روحي وتعديل حركي سلوكي.

مناقشة في صميم الموضوع:

قال لي صاحبي: أما طهارة الظاهر بالوضوء فمعروفة وأما جوهر الوضوء فكيف يكون هذا ؟ إن الأمر يحتاج إلى مزيد توضيح ؟
أجبته من فضل الله علي

قلت لصاحبي : الانبعاث الحراري ، الجسم الأثيري، الإشعاع الحراري ، أسماء متعددة لمسمى واحد.

فغر صاحبي فاه ، واتسعت عيناه حتى كادتا تسقطان على وجنتيه ... ابتلع صاحبي ريقه ، وخرج الكلام منه كصرير الأبواب (أبوس إيدك بلاش فزيا بلاش علم نفس)

ابتسمت قائلا : لا تقلق فالإجابة يا صاحبي شرعية ولا مانع شرعا من الاستفادة من العلوم الحديثة التي تتفق مع الشرع الحنيف

فقد قال الله تعالى: { سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا }

وقال عز مِن قائل:{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } [فصلت: 53].

فتأمل ـ هداك الله لما يحبه ويرضاه ـ
فإن الحياة مع القرآن حياة مع الكون كله ، حياة مع النفس الإنسانية
ومساربها وأدغالها ، كنودها وضعفها وعجلتها ونسيانها وجحودها وجزعها
أغلق صاحبي فمه وأطرق برأسه ،

وقبل أن يتكلم بادرته قائلا :
تأمل أخي الحبيب هاتين الآيتين لتجدهما إعلام من الله لكل مسلم ولكل كافر
أن آيات الله موجودة ومتعددة في كل مكان ـ في الأرض والسماء والنفس
والفضاء ـ تدل على قدرته وسوف يراها جميع البشر لتكون دليلا وحجة عليهم ،
فإن قناعة النفس البشرية تختلف باختلاف الكثير من العوامل (البيئية و
التعليمية و الاجتماعية و ...)

وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد

فالحجة قائمة قائمة نقلا وعقلا
(فزيا و علم نفس)

وتأمل معي أيضا:
و قلب بصيرتك لتدرك نعيم العلم بإدراك الأشياء بعيني قلبك فتراها على حقيقتها،

قال لي صاحبي : (خلاص نمشيها فزيا و علم نفس) المهم أعيش القرآن.

قلت متوجها إلي الله أن يسدد لساني وأن يربط على قلبي وجَناني:

الحمد لله القائل Sad

يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم
إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيدكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى
الكعبين وإن كنتم جنباً فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم
من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم
وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون)(المائدة:6)

وعن لقيط بن صبرة.عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء-قا ل أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ".

وليس مقصد الكلام هنا الناحية الطبية الوقائية والعلاجية،
فقد أثبت العلم الحديث أن والوضوء بمشروعيته هو السبب المباشر في الوقاية
من أمراض كثيرة وخطيرة مثل الدوسنتاريا والتيفود والتسممات الكبدية،
والطفيليات بمختلف أنواعها والديدان المعوية وغير ذلك مما ينتقل عن طريق
الفم والأنف. ولتبحث عن ذلك في مظانه(أقصد المعنية بشئون الطب والعلاج)

ومن الناحية الروحية و السلوكية :
والفائدة النفسية للوضوء بمفهومها الحديث تتحقق باستيفاء الأركان الثلاثة من :

1- مسح ،
2- وتدليك،
3- وإسباغ الماء ،
4- يزيد عليه تغيير حركة الأعضاء أثناء الوضوء وهذا من الناحية السلوكية.

تلك أربعة كاملة:

فيستعمل في علاج الحالات النفسية والعصبية من قديم الأزل
فيساعد بقدر ملحوظ في تخفيف حدة ما يعانيه مريض العقل من القلق
والهياج والعدوان والاكتئاب والأرق،
وطرق المعالجة بالماء كثيرة متقدمة في أنحاء متفرقة من العالم،
ويوفرون لها أماكن متخصصة حسب نوعية الأمراض والأعراض
فهناك الحمامات المستمرة
continuos tubs

Hot foments-cold baths jet sprays-fan douches needle-

فأما الماء الذي اعتنى الإسلام بطهارته أيما عناية
والحمامات الساخنة والباردة

يقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم:
عضو الجمعية الطبية الملكية بلندن واستشاري الأمراض الباطنية والقلب ..
توصل العلماء إلى
أن سقوط أشعة الضوء على الماء أثناء الوضوء يؤدي إلى انطلاق أيونات سالبة
ويقلل الأيونات الموجبة مما يؤدي الى استرخاء الأعصاب والعضلات ويتخلص
الجسم من ارتفاع ضغط الدم والآلام العضلية وحالات القلق والأرق ..

ويؤكد ذلك أحد العلماء الأمريكيين في قوله :
إن للماء قوة سحرية بل إن رذاذ الماء على الوجه واليدين - يقصد الوضوء - هو أفضل وسيلة للاسترخاء وإزالة التوتر ...

الغضب و الوضوء:

وفي حديث أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن
آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق
بالأرض ) وهو حديث مختلف في صحته رواه الترمذي وغيره وحسنه .

ففي الغضب تتغير كيماويات الدم(البلازما)وتنشط الغدد الصماء فيفرز
الأدرينالين-ويترفع الضغط ويسرع النبض، ويضطرب التنفس،ويتصبب العرق،وتتسع
الأوعية الدموية،وتنتفخ الأوداج، وتجحظ العينان،وترتعش الأطراف،وتهتز
المفاصل.

إسباغ الماء علاج لأمراض النفس،

بل إن هناك دليلا قوياً يحقق لنا فائدة الماء في علاج النفوس
وما يعتريها من قلق أو هواجس ومخاوف واكتئاب،
هذا الدليل من القرآن الكريم نفسه وما أنزله الله سبحانه وتعالى من آيات
بينات تصف مخاوف المحاربين في موقعة بدر فقد كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر،
عدتهم قليلة وعتادهم أقل، يقابلون ألفاً اكتملت عدتهم وعتادهم وهي بلغة
الحروب معركة غير متكافئة.

قال الله تعالى: (... وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام)(الأنفال:11)

أما المسح والتدليك على الأعضاء أثناء الوضوء
فهو إضافة نفسية واضحة،
فالمسح على الجلد وتأثيره النفسي لا يحتاج إلى جهد علمي في تفسيره
فمن المعروف أن الجلد والجهاز العصبي ينشآن من نسيج واحد،
ومن هنا كان المسح على الجلد يرتبط بالجهاز العصبي ارتباطاً مباشراً
فتهدأ به النفس وتسترخي به العضلات
وهذا واضح لنا جميعاً
فنحن نمسح على رأس الطفل أثناء بكائه فيهدأ
ونمسح على جسد الحيوان فيأنس ويستكين،
وهذا مشار إليه في قصة سليمان عليه السلام مع الخيل بعد أن توارت بالحجاب فقال:
(ردوها علىّ فطفق مسحاً بالسوق والأعناق)(ص:33)
وهذا على قول بعض أهل العلم

وهذا التدليك مما يشترطه المالكية لصحة الوضوء
وهو من طرق المعالجة الطبيعية Physiotherapy تسترخي به الأعضاء المتوترة وتنشط دورتها الدموية

وما مراكز التدليك منا ببعيد (نسأل الله العافية)

الحركة أثناء الوضوء علا ج لبعض الأمراض الجسدية و النفسية،

فتغير الحركة هذا، هو ما يعالج به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثورة
الغضب بتغيير حركة واحدة من القيام إلى القعود أو من القعود إلى الاتكاء .
قال تعالى: (إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جذوعا وإذا مسه الخير
منوعاً إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون) (المعارج: 19-23).

ويقول بعض المعنيين بالعلاج السلوكي أو النفسحركي:
"إ ن العلة النفسية أو المرض النفسي إذا حدث فهو يصيب أعضاء الجسم بالشد
والتوتر الفسيولوجي فإذا أ بعدنا هذا التوتر فان النفس تهدأ ولذا فهي تبعد
هذا التوتر بتغيير الحركة أو تدريبات الاسترخاء السلوكية Relaxation
techniques."

وهل هناك أفضل من الحركة في الوضوء و الصلاة.

الوضوء وعلاقته بالمعاصي:

ما تعريف المعصية؟
هي رغبة أو نزوة إذا تحركت دون إشباع فهي أقرب إلى المرض النفسي، وإن لم
تشبع فإنها تقترب في حدتها الأدني حتى يشبه ما تحدثه من صراع نفسي بما
يحدثه الغضب من صراع مُلح مستبد طاغ ،
وتختلف الأعراض حسب قوة الدافع ومعوقات الإشباع.

نطق صاحبي أخيرا وهو ينظر من تحت نظارته التي تعلقت بطرف أنفه:
وما العلاج إذن ؟

قلت بلسان الواثق في الله

:
وعن أبي هريرة وعن عثمان بن عفان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال:" من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من
تحت أظفاره".

إنه الوضوء

مسح ، تدليلك ، إسباغ الماء

فتهدأ به الأعضاء

وتسكن به النفس
وتطمئن الجوارح
وتتغير الملامح
ومع الإسباغ وتعميم الماء على الأعضاء
يزول أثر ما في النفس من ثورات وانفعالات
وصراعات وآثام،
وتخرج شحنات المعصية أو الغضب مع ماء الوضوء
حتى لم يعد هناك تغيرات في الدم تتفاعل في داخل الجسم
حتى أنها وهي تمر من الشريان إلى الوريد في أكبر تجمع لهذه الشعيرات من
تحت الأظافر أو من تحت الجلد مع قطرات الماء تمر متعادلة ليس فيها شحنات
أو عوائق أو شوائب نفسية،

وصدق النبي محمد صلى الله عليه و سلم.

فالوضوء موسوعة نفسية ويكفي أنه مفتاح الصلاة فإن لم يؤت الوضوء ثمرته
بكاملها فإن الصلاة تكمله بنفس مفاهيمه ونفس فائدته، تمحو الخطايا بإذن
الله فيتخلص الواحد منا من عقدة الذنب الذي أثقل ظهره يبتغي من الله أن
يرفع ذكره ومن يغفر الذنوب إلا الله .